تُعد عمليات الاندماج والاستحواذ من أبرز الأدوات القانونية التي تلجأ إليها الشركات لتوسيع نطاق أعمالها، أو تحسين كفاءتها المالية، أو الخروج الآمن من السوق.
وقد راعى نظام الشركات السعودي الجديد الصادر عام 1443هـ هذه العمليات بتنظيم واضح ومتوازن، يحمي حقوق جميع الأطراف، بما في ذلك الشركاء، والدائنين، والمساهمين، والجهات الإدارية.
نستعرض في هذه المقالة الجوانب النظامية للاندماج والاستحواذ كما وردت في نظام الشركات، مع تحليل قانوني لأبرز النصوص ومواطن الشاهد فيها، بما يمكّن المستثمر من اتخاذ قرارات قانونية مدروسة.
أولًا: الإطار النظامي لعمليات الاندماج والاستحواذ:
نص النظام على جواز قيام أي شركة، أياً كان شكلها، بالاندماج أو الاستحواذ ضمن الضوابط المحددة، كما في المادة 227 ونصّها:
“يجوز للشركة أن تندمج في شركة أخرى من شكلها أو من شكل آخر، أو أن تستحوذ على شركة أخرى، أو أن تستحوذ عليها شركة أخرى، وفقًا لأحكام النظام وأحكام الأنظمة ذات العلاقة.”
تفتح هذه المادة المجال أمام مختلف الشركات، سواء كانت مساهمة، أو ذات مسؤولية محدودة، أو غيرها، لتنفيذ الاندماجات والاستحواذات، ما يعزز مرونة السوق ويتيح فرصًا للتوسع أو إعادة الهيكلة.
ثانيًا: شروط نفاذ الاندماج أو الاستحواذ:
لا تكتسب العملية صفة النفاذ القانوني إلا بعد استكمال عدد من الإجراءات الرسمية، فقد نصّت المادة 228 من النظام بما يلي:
“لا يكون الاندماج أو الاستحواذ نافذًا إلا بعد استكمال الإجراءات النظامية، وتوثيق العقد، وقيده لدى السجل التجاري، وإتمام الشهر وفقًا لأحكام النظام.”
وعليه، فإن هذا النص يقرر مبدأ الشكلية الملزمة، ويجعل توثيق العقد وتسجيله وشهره من شروط الصحة والنفاذ، وليس مجرد متطلبات إدارية، والتقصير في أحد هذه الإجراءات قد يجعل العملية غير نافذة تجاه الغير.
ثالثًا: الآثار القانونية بعد نفاذ الاندماج:
يترتب على الاندماج عدة آثار مهمة، من أبرزها انتقال الحقوق والالتزامات إلى الكيان الجديد أو الدامج، فقد نصّة المادة 229 على ما يلي:
“تعد الشركة المندمجة منقضية في تاريخ نفاذ الاندماج، وتنتقل جميع حقوقها والتزاماتها إلى الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج، ولا يترتب على ذلك براءة ذمة الشركاء أو المساهمين أو مديري الشركة المندمجة أو أعضاء مجلس إدارتها من التزامات الشركة الناشئة قبل الاندماج.”
فالاندماج يؤدي إلى انقضاء الشركة المندمجة بحكم النظام، مع بقاء المسؤولية قائمة على الشركاء أو المدراء عن الالتزامات السابقة، وهو ضمان لحقوق الغير، وخاصة الدائنين.
رابعًا: متطلبات عقد الاندماج أو الاستحواذ:
فرض النظام حدًا أدنى من البيانات التي يجب تضمينها في عقد الاندماج أو الاستحواذ، والهدف من ذلك تحقيق الشفافية وحماية التوازن التعاقدي بين الأطراف، وتفادي النزاعات المتعلقة بالتقييم أو آثار العملية على الالتزامات السابقة، وذلك مذكور في المادة 230 من النظام، ونصّها:
“يجب أن يتضمن عقد الاندماج أو الاستحواذ -على وجه الخصوص- ما يأتي:
أ- البيانات الأساسية للشركات.
ب- طريقة تقييم الحصص أو الأسهم.
ج- طريقة التبادل.
د- أثر العملية على العقود والحقوق.
هـ- أي أحكام تفصيلية أخرى.”
خامسًا: حق التخارج للمساهمين المعترضين:
كفل النظام حق التخارج للمساهمين أو الشركاء الذين لا يوافقون على قرار الاندماج أو الاستحواذ، فجعل لهم الحق في طلب التخارج حال عدم رغبتهم في المشاركة في الكيان الجديد، وهو ما يحقق توازنًا في مصلحة الشركاء، وفقاً لما جاء في المادة 231 ونصّها:
“يكون للشركاء أو المساهمين المعترضين على قرار الاندماج أو الاستحواذ الحق في التخارج وفقًا للشروط التي تحددها اللوائح.”
سادسًا: حق الدائنين في الاعتراض:
لم يغفل النظام عن حماية مصالح الدائنين في هذه العمليات، فجعل للدائنين الحق في الاعتراض على قرار الاندماج أو الاستحواذ، وجعل للمحكمة سلطة تقديرية في اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية حقوقهم، مثل إيقاف العملية أو فرض ضمانات واجبة لحماية مصالح الدائنين، فقد جاء في المادة 232 ما نصّه:
“يجوز لأي من دائني الشركات الأطراف في الاندماج أو الاستحواذ الاعتراض على العملية خلال المدة التي تحددها اللوائح، وإذا ثبت للمحكمة المختصة أن العملية تضر بحقوقهم، جاز لها اتخاذ ما تراه من تدابير.”
وبهذا، فإن نظام الشركات السعودي في تنظيمه للاندماج والاستحواذ أنه يوازن بين حرية الشركات في إعادة هيكلة كيانها التجاري، وبين حماية حقوق الشركاء والدائنين.
ولضمان سير عمليات الاندماج أو الاستحواذ بطريقة صحيحة، نوصي بما يلي:
- التحقق المسبق من استيفاء جميع الشروط الشكلية “التوثيق – القيد – الاشهار”.
- مراجعة دقيقة لعقد الاندماج أو الاستحواذ، وضمان شموله لجميع العناصر المطلوبة نظامًا.
- إعلام جميع الشركاء والدائنين بحقوقهم النظامية، بما فيها الاعتراض أو التخارج.
- الحصول على المشورة القانونية المتخصصة عند وجود أكثر من طرف أو نوع مختلف من الشركات.