تعدّ النيابة في التعاقد من المفاهيم القانونية الأساسية التي تُستخدم على نطاق واسع في المعاملات المدنية والتجارية، وهي تعني أن يقوم شخص (النائب) بإبرام العقد نيابة عن شخص آخر (الأصيل) بحيث تترتب آثار العقد على الأصيل مباشرةً، وقد نظم نظام المعاملات المدنية السعودي هذه المسألة بشكل دقيق، حيث أقرّ في المادة (87) صحة التعاقد بالنيابة، سواء كانت النيابة اتفاقية (كالتوكيل)، أو قضائية (كالوصاية)، أو نظامية (كولاية القاضي)، ما لم يرد نص نظامي يمنع ذلك.

ووفقًا للنظام، فإن النائب لا يملك حرية مطلقة في التصرف، بل يتقيّد بالحدود المرسومة له في سند النيابة، سواء كان ذلك عقدًا أو حكمًا قضائيًا أو نصًا نظاميًا، كما جاء في المادة  (88)، التي تنص على أنه ليس للنائب أن يتجاوز حدود نيابته المعينة في سند إنشائها. وهذا التقييد يهدف إلى حماية مصالح الأصيل وضمان التزام النائب بالمهام المحددة له دون تعدٍّ أو إساءة استعمال للسلطة الممنوحة.

وفيما يتعلق بعيوب الإرادة في التعاقد بالنيابة، فقد قرر النظام في المادة (89) أن الاعتبار يكون لشخص النائب فيما يتعلق بعيوب الرضا، كالغلط والتدليس والإكراه، وأثر العلم بالظروف المحيطة بالعقد، مما يعني أن مسؤولية النائب في هذه الجوانب مؤثرة في صحة العقد، ولا يُحتجّ بعدم علم الأصيل إن كان النائب على دراية بالأمر.   
تولي النائب طرفي العقد:

ومن المسائل المهمة التي أثارها النظام في هذا السياق، مسألة تولي النائب طرفي العقد، أي أن يكون شخص واحد نائبًا عن الطرفين المتعاقدين في نفس العقد، وقد عالج نظام المعاملات المدنية السعودي هذه المسألة في المادة  (93)، حيث قرر أنه لا يجوز للنائب أن يتعاقد مع نفسه بمقتضى نيابته دون أن يكون مأذونًا له بذلك، سواء أكان تعاقده مع نفسه لحسابه أم لحساب الغير، وللأصيل أن يجيز التعاقد.

وهذا الحكم يتماشى مع ما قرره الفقه الإسلامي، حيث انقسم الفقهاء في هذه المسألة إلى مسلكين:

المسلك الأول: ذهب الحنفية والشافعية إلى المنع المطلق، باعتبار أن العقد يتطلب إرادتين مستقلتين، وأن تولي شخص واحد الطرفين يفتح باب التلاعب والإضرار بأحد الأطراف.

المسلك الثاني: ذهب المالكية والحنابلة إلى الجواز إذا أُذن له صراحة، باعتبار أن التهمة هي العلة الأساسية للمنع، فإذا زالت بالإذن لم يبقَ مانع من صحة العقد.

وبناءً على ما ورد في النظام السعودي، فإن موقفه أقرب إلى مذهب المالكية والحنابلة، حيث أجاز تولي طرفي العقد بشرط الإذن الصريح أو الإجازة اللاحقة من الأصيل، مما يحقق التوازن بين المرونة في المعاملات ومنع التلاعب.

وهذا الاعتماد إعمالٌ لمقاصد الشريعة في ضبط العقود وتحقيق العدالة بين الأطراف، فهو لا يمنع تولي طرفي العقد منعًا قاطعًا كما فعل بعض الفقهاء، ولا يجيزه بإطلاق كما قد يؤدي إليه الواقع التجاري الحديث، بل وضع قاعدة مرنة تحقق حماية الأطراف وتحفظ سلامة التعاملات.

Scroll to Top